تُعد البامية الديرية من الأطباق الأساسية في مطبخ دير الزور، إذ تجمع بين النكهة المميزة والأصالة. تشكل جزءًا من العادات المرتبطة بالضيافة والمناسبات، حيث يعكس حضورها الدائم في الولائم والعزائم عمق ارتباطها بالكرم والعادات الفراتية الأصيلة، مما يجعلها رمزًا من رموز التراث المحلي في المنطقة.
ينتمي نبات البامية إلى المناطق الحارة في أفريقيا وآسيا، ويُعتقد أن موطنه الأصلي هو إفريقيا الاستوائية، ومنها انتقل إلى الشرق الأوسط والهند منذ قرون بعيدة. أما في دير الزور، فقد أصبحت البامية جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس وذاكرتهم، إذ لا تكاد تخلو أرض زراعية من زراعتها، حتى لو كانت مساحة صغيرة.
تبدأ زراعة البامية في شهر نيسان، ويُنتظر موسم قطافها بعناية في شهري أيار وحزيران، للحفاظ على جودتها. وتُزرع البامية الديرية في أراضي وادي الفرات الخصبة، وخاصة في تربة الطمي جيدة الصرف، مما يمنحها طعمًا غنيًا وأصيلًا.
تتميز ثمرة البامية الديرية بشكلها المضلع المكوَّن من ثمانية أضلاع، وملمسها الناعم الخالي من الخشونة، وعند قطعها عرضيًا تظهر سبع حجرات داخلية تحتوي على بذور واضحة، في مشهد يعبّر عن خصوصية هذا الصنف مقارنةً بباقي الأنواع المنتشرة في المدن السورية.
ورغم تشابه المكونات في تحضير البامية بين المدن، إلا أن دير الزور تحتفظ لنفسها بطريقة تقديم متفردة. فبعد طهيها بعصير الطماطم، والثوم، ولحم الغنم، تُفرش البامية على طبق كبير يُعرف باللهجة المحلية بـ”الصينية” أو “المنسف” ويُغطى مسبقًا بخبز التنور أو خبز الصاج. وتُقدم إلى جانبها مشروب اللبن البارد المعروف بـ”الشنينة”، إضافة إلى قرون الفلفل الأخضر الزوري (البلدي)، التي تُعد من المكونات التقليدية المرافقة لهذا الطبق في دير الزور.
ولا يقتصر حضور البامية على المائدة الصيفية، بل تمتد علاقتها بالبيت الديري إلى مواسم الشتاء، إذ تحرص العائلات على تجهيزها ضمن مؤونة الشتاء. حيث تُجفف الثمار بأساليب تقليدية: إما بضمّها في خيوط طويلة، أو ضغطها مع البندورة للحفاظ على قيمتها الغذائية ونكهتها. وهكذا، تُحفظ البامية لتُطهى في ليالي الشتاء الباردة.
لقد ورثت الأجيال الحالية حب البامية من الأجداد، ولا يخلو بيت ديري منها، حيث تُزرع وتُقطف وتُطهى وتُقدَّم بمحبة. ومع بدء موسم البامية، تشهد أسواق المدينة إقبالًا كبيرًا عليها؛ يرتفع سعرها في البداية ثم يبدأ بالانخفاض تدريجيًا مع زيادة الكميات المعروضة.
