يُعد الكباب الديري من أبرز الأكلات الشعبية التي تشتهر بها مدينة دير الزور وريفها، وقد أصبح رمزاً للمطبخ الفراتي، يتميز بطابعه التراثي الأصيل ونكهته الفريدة التي لا مثيل لها.
يرجع أصل الكلمة “كباب” – بفتح الكاف – إلى اللحم المقطع أو المشرّح والمشوِي على الجمر، إلا أن الكباب الديري اكتسب عبر الأجيال طابعاً خاصاً جعله مختلفًا عن نظائره في باقي المحافظات السورية. فهو يُحضّر من لحم الضأن أو الخروف الفتيّ، ويضاف إليه البصل، والملح فقط ورشة من الفلفل الأسود، دون بهارات إضافية تطغى على طعمه، مما يبرز النكهة الأصلية للحوم.
من أهم ما يميّز هذا الكباب أن المكونات تُفرم يدويًا مباشرة على السيخ، وليس عبر ماكينات الفرم الآلية، لأن الماكينات تعصر اللحم وتُفقده مونته ونكهته. ويجري الفرم أمام الزبون، كجزء من الموروث الحرفي المرتبط بهذه الأكلة.
أما طريقة الشواء، فهي ركن أساسي في سرّ المذاق، إذ يجب أن تتم على نار قوية من الحطب، لا الفحم، لأن شواءه على الحطب يمنحه نكهة مميزة يصعب تحقيقها باستخدام الفحم. ويُقدَّم الكباب ساخنًا مع خبز الصاج أو التنور، ويرافقه مكونات أساسية مثل البصل والبندورة المشوية، بالأضافة الى البصل النيء والبقدونس،ورشة سماق.
سرّ النكهة الفراتية الأصيلة
يعود تميّز الكباب الديري إلى عوامل طبيعية وحرفية متوارثة، من أبرزها:
- طزاجة اللحم واختيار الضأن الفتيّ.
- اعتماد المواشي المحلية على العشب أكثر من الأعلاف، مما يمنح اللحم طعماً أغنى وأكثر طبيعية.
- الاقتصاد في استخدام التوابل، حيث يكتفي الصانع بإضافة البصل والملح فقط، ليُبقي على النكهة الأصلية دون تشويش.
- الفرم اليدوي، الذي يمنح الكباب قواماً متماسكاً وطعماً أكثر تكاملاً.
- الشواء على الحطب، ما يمنح سطح الكباب لوناً ونكهة يصعب الوصول إليهما عبر الفحم.
شهرة تجاوزت الحدود… وغلاء يحاصر الموائد
لم تبقَ شهرة الكباب الديري محصورة في دير الزور، بل امتدت لتصل إلى دول عربية عديدة مثل الأردن، ومصر، والسعودية، وقطر، والكويت، حيث يُعرف باسم “الكباب السوري”، ويُطلب في كثير من المطاعم والمناسبات.
ورغم ذلك، فإن الغلاء المستمر في أسعار اللحوم جعل من هذه الأكلة رفاهية لا تُكرر كثيرًا، إذ لم تعد معظم العائلات قادرة على تناولها إلا مرة أو مرتين في السنة، بعد أن كانت حاضرة على الموائد بشكل شبه دائم.