في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصال الحديثة متاحة، كانت بيوت الخبازات في دير الزور إحدى وسائل المعرفة في ذلك الوقت، والسرعة في نقل الخبر. كانت نساء الدير تتنافسن من ستوقد نار تنورها أولا؟ فهذا يدل على نشاطها، حيث تتسابق وتتسارع الجارات فيما بينهم في صنع العجين، ويتساعدن بكل صغيرة وكبيرة، وخاصة إذا أصابت إحداهن مناسبة، ولا يكاد يخلو منزل ديري من وجود التنور، أما اليوم فقد أمسى التنور إحدى مفردات التراث التقليدي العريق لأهالي دير الزور
كانت البيئة الفراتية، ريفًا ومدينة، تتميز بوجود الرحى لطحن الحبوب والتنور لصنع الخبز في كل بيت. عززت هذه الممارسات من الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية، حيث كانت النساء يتشاركن في كل مراحل تحضير الخبز: طحن الحبوب، نخلها، عجنها، تقطيع العجين ورقّه، ثم خبزه. كانت الجارات غالبًا ما تتناوب على استخدام تنور واحد، مما جعل من خبز التنور طقسًا اجتماعيًا تشاركيًا.
ارتبط خبز التنور بـهالة روحية خاصة؛ فكان الأطفال يتحلقون حوله بشغف، ينتظرون بفارغ الصبر خروج أول رغيف، ويستنشقون عبقه الذي لا يُقاوم. كما كانت هذه العملية تجسد قيم الكرم، حيث كان عابر السبيل أو الجائع ينال نصيبه من الخبز الطازج.
يُعد التنور في دير الزور رمزًا حيًا للتواصل الاجتماعي والمودة بين نساء الحي. لقد اتخذ التنور ولا يزال يحتفظ بصفته الاجتماعية، مكونًا حلقة تواصل يومية ومجلسًا خاصًا للنساء. كان هذا التجمع بمثابة محطة للراحة والتسلية بعد ساعات العمل الشاق في الزراعة. ويتجلى الفرح أيضًا في صراخ الأطفال وتراكضهم أمام أمهاتهم نحو التنور عند موعد الخبز، مما يعكس الأجواء العائلية البهيجة المرتبطة بهذه العادة الأصيلة.